في الوقت الذي أعلن فيه تشن يولو نائب محافظ بنك الشعب الصيني أن تأثير كورونا سيكون قصير الأمد ومحدودا، تتناقل وسائل الإعلام انتشار الفيروس في أماكن جديدة خارج الصين مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل وإيران وإيطاليا، وحالات محدودة في بعض الدول العربية.

وهو ما دفع مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إلى القول إن على الدول أن تكون حذرة في تقديرها لتأثير كورونا على معدلات النمو الاقتصادي في الصين وعلى مستوى العالم.

فقد ذكرت جورجيفا أن تقديرات محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية بمجموعة العشرين تذهب إلى أن يتراجع النمو بسبب كورونا بنحو 0.4% في الصين، وبنحو 0.1% على صعيد الاقتصاد العالمي.

وأضافت جورجيفا أن الصندوق ينظر في سيناريوهات أكثر حدة إذا ما استمر الفيروس في التفشي لمدة طويلة، وانتشر على نطاق عالمي، ومما يؤيد حذر جورجيفا استمرار البورصات في أميركا وأوروبا في الهبوط بسبب مخاوف كورونا.

ولم يكن سوق النفط بمعزل عن أداء البورصات العالمية، إذا انخفضت الأسعار يوم الاثنين 24 فبراير/شباط 2020 إلى 57.08 دولارا للبرميل من خام برنت، و52.1 دولارا للبرميل من الخام الأميركي.

وفي ظل استمرار المخاوف في الأوساط الاقتصادية بسبب كورونا، ستكون بلا شك الآثار الاقتصادية على الدول العربية النفطية سلبية إلى حد كبير.

وكانت أسعار النفط في السوق الدولية مطلع يناير/كانون الثاني 2020 بنحو 66.2 دولارا لبرميل خام برنت، و61.1 دولارا للبرميل من الخام الأميركي، أي أن نسبة التراجع في أسعار النفط بسبب كورونا بلغت 13.8% لخام برنت و14.7% للخام الأميركي.

وتعتبر الأسعار الحالية غير اقتصادية في ظل تقديرات موازنات الدول العربية النفطية، التي تضم دول الخليج بالإضافة إلى العراق وليبيا والجزائر، وإن كان هناك دول أخرى مصدرة للنفط والغاز ولو بكميات صغيرة مثل مصر، إلا أن هذه الأسعار تعني استمرار الأزمة التمويلية في هذه الدول، واعتمادها على القروض لتمويل عجز الموازنة.

ومما ساعد على أن تكون تأثيرات أزمة كورونا محدودة بالنسبة للميزانيات العربية النفطية، أن غالبيتها في إعداد ميزانية 2020 ذهبت لتقديرات ضعيفة لأسعار النفط، فالسعودية مثلا أعدت تقديرات ميزانيتها عند سعر 55 دولارا لبرميل النفط، والجزائر عند 45 دولارا للبرميل، وذلك بسبب التحسب للسيناريوهات السيئة لأزمة الحرب التجارية بين الصين وأميركا.

ولكن هذه الفرضية معتبرة في ظل بقاء أسعار النفط عند المستوى المعلن يوم 24 فبراير/شباط الجاري، أما إذا تدهورت أوضاع مواجهة كورونا في الصين وباقي دول العالم فستكون هناك قراءة أخرى أكثر قتامة على اقتصادات الدول النفطية العربية، والتي سيكون أثرها أسرع على وضع الميزانيات العامة.

تراجع حركة التجارة
حسب بيانات مجلس التعاون الخليجي، فإن التبادل التجاري لدول المجلس مع الصين في 2018 بلغ 173 مليار دولار، منها نحو 97 مليارا صادرات سلعية خليجية للصين -وتشكل الصادرات النفطية نسبة 81% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم في العام ذاته- بينما بلغت الواردات السلعية للدول الخليجية من الصين نحو 75 مليار دولار.

أما العراق، فقد بلغت قيمة تبادله التجاري مع الصين في 2018 نحو 30 مليار دولار، وكانت الجزائر قد ارتفعت قيمة تبادلها التجاري مع الصين لنحو 10 مليارات دولار، ويغلب النفط بطبيعة الحال على صادرات كل من الجزائر والعراق إلى الصين.

ولكن مع القيود المفروضة الآن على حركة الطيران من وإلى الصين، وكذلك الاحتياطات التي يتم اتخاذها تجاه حركة التجارة بشكل عام، من شأنها أن تحد من قيمة التجارة بين الصين والدول النفطية العربية، وبخاصة في ظل التراجع المرتقب في طلب الصين على النفط من السوق الدولية، والذي سيؤثر على الصادرات النفطية للدول العربية النفطية.

ثمة اتجاهات متوقعة لحركة التجارة الخارجية للدول العربية النفطية بأن تغير من وجهتها إلى دول أخرى غير الصين، ولكن ستكون أجواء الركود المترتبة على انتشار فيرس كورونا محددا رئيسيا في هذا الاتجاه، خاصة وأن دولا يمكن اعتبارها بديلا للصين اتخذت إجراءات تحدّ من حركة الإنتاج بها، وهذه الدول هي على وجه التحديد كوريا الجنوبية وإيطاليا.

ولو كانت الأوضاع السياسية بين تركيا ودول الخليج طبيعية لأمكن لتركيا أن تحقق مزايا تجارية من تحويل تجارة الخليج إلى تركيا بديلا عن الصين، ولكن بحكم أن السعودية والإمارات تمثلان أكبر الاقتصادات بين دول الخليج، ولديهما خلاف سياسي كبير مع تركيا، فستعملان بلا شك على إضاعة هذه الفرصة على تركيا.

بيد أن باقي الدول النفطية العربية، مثل العراق والجزائر وليبيا لا تعاني من مشكلات تحول التجارة نحو تركيا.

مستقبل الاستثمارات
ترتبط الصين بالعديد من العلاقات الخاصة بالشركات والاستثمارات في مجال النفط والغاز الطبيعي، وكذلك تقديم المساعدات والقروض للدول العربية، ومن شأن تداعيات المستقبل الغامض حول القضاء على فيرس كورونا أن يضع مستقبل هذه العلاقات على المحك.

وهناك العديد من المشروعات الكبرى التي ارتبطت بها الصين أخيرا مع الدول النفطية العربية، وعلى رأسها مشروعات رؤية 2030 في السعودية، فضلا عن أن مشروعات طريق الحرير كانت تستهدف الوجود في كل دول الخليج عبر مشروعات للاستثمار المشترك.

وتقدر الاستثمارات التراكمية للصين في العراق حديثا بنحو 20 مليار دولار، وهي بشكل عام تتركز في قطاع النفط والغاز الطبيعي.

وفي الجزائر تستحوذ الصين على تنفيذ مشروعات كبرى من طرق وأكبر مسجد، ومناطق صناعية، وتوسعة مطار الجزائر، وكذلك مشروع ميناء الحمدانية وما يرتبط به من طرق وسكك حديدية، وتقدر تكلفة المشروع بنحو 3.3 مليارات دولار.

وكانت الصين قد أعلنت عن خطتها للاستثمار في الخارج بنحو 130 مليار دولار على مدار السنوات الخمس القادمة، في إطار مشروعها طريق الحرير، وبلا شك فإن الدول النفطية العربية كان لها نصيب من هذه الاستثمارات بالنظر إلى ارتباطاتها الاقتصادية القوية بالصين.

لكن المستقبل المجهول للأوضاع الاقتصادية على مستوى العالم، وفي الصين على وجه التحديد، تجعلنا نذهب إلى القول إن المشروعات القائمة التي تقوم على تنفيذها شركة صينية، قد تتأخر في التنفيذ، وبخاصة إذا ما كانت تعتمد على التمويل عبر قروض من البنوك الصينية.

كما أن خطة الاستثمارات الخارجية المرتبطة بمشروع طريق الحرير أصبحت مفتوحة على عديد الاحتمالات، بعد أن كانت تسيطر عليها روح اليقين.

غياب الخطة
شأن العديد من الأزمات التي مرت بها المنطقة العربية، ومن بينها الدول النفطية، لا يوجد تصور للدول النفطية العربية للتعامل مع أزمة كورونا، وتداعياتها الاقتصادية السلبية. قد تكون هناك تصورات قُطرية، لكنها تغيب على المستوى الإقليمي والمؤسسي.

فلم نسمع صوتا مثلا لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوابك) باعتبارها منظمة عربية، لتتحدث عن مستقبل النفط العربي واقتصاداته في ظل السيناريوهات المفتوحة لأزمة كورونا.

ولا يغيب عن المتابع للشأن الخليجي حالة التفتت التي أصابت مجلس التعاون الخليجي بعد أزمة حصار قطر، حيث أصبح مجرد كيان ورقي، رغم أن الأزمة تفرض نفسها، وتداعياتها السلبية قد تكون أحد العوامل التي تساعد على إنهاء الخلافات الخليجية، والتفكير في مستقبلها الاقتصادي، وخاصة في ظل تقديرات لصندوق النقد الدولي باحتمال قرب نفاد الاحتياطات المالية الخليجية.

 

تعليقات فايسبوك